كيف تتحكم اسرائيل بالعرب؟؟

كيف تتحكم اسرائيل بالعرب؟؟

جهاد أبو سليم- بال ثينك للدراسات الاستراتيجية



هل ما نعيشه اليوم من انتكاسات بسبب اسرائيل هو نتيجة "لمؤامرات" حيكت في الخفاء؟ أم أن اسرائيل اتبعت سياسات ممنهجة ومنظمة ضد العرب والفلسطينيين على مر السنين، و أن العرب والفلسطينيين لم يدركوا مغزى هذه السياسات الا بعد فوات الأوان؟



وفوات الأوان هنا، في وجهة نظري، هو التأخر في قراءة ومتابعة كل ما يصدر عن مؤسسات الابحاث والدراسات الاسرائيلية والعالمية، وعدم ربط كل ما تقوم به اسرائيل من أفعال وتحليل مغزاها.

سنعود بالزمن 30 عاماً، وبالتحديد الى عام 1980، الى كتاب هام يشرح كيف تتحكم اسرائيل بالاقلية الفلسطينية في أراضي عام 1948.

جون رويدي يعرض قراءة لكتاب " العرب في الدولة اليهودية: اسرائيل تتحكم في اقلية قومية"، على صفحات موقع تقرير واشنطن عن شؤون الشرق الأوسط*.

 مؤلف الكتاب هو إيان لوستيك، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بنسلفانيا، يقدم في كتابه "العرب في الدولة اليهودية: اسرائيل تتحكم في اقلية قومية" تحليلاً وافياً لعناصر "نظام معقد للتحكم" تقوم اسرائيل من خلاله بالسيطرة على الاقلية الفلسطينية، ومنع تطورها ونهوضها.

السبب وراء هذه الدراسة، حسب لوستيك، هو محاولة لاستكشاف عدم قدرة المجتمع العربي على انشاء مؤسسات صناعية، تجارية، ومالية مستقلة بالاضافة الى غياب أحزاب سياسية مستقلة. كما ويفسر من خلال هذه الدراسة أسباب "السكون السياسي" لفلسطينيي الداخل خلال مدة 30 عام من وجودهم تحت حكم اسرائيل.

يرفض لوستيك الطرح الاسرائيلي الرسمي القائل بأن سبب السكون السياسي للعرب ينبع من رضاهم وقناعتهم بسياسات الحكومة الاسرائيلية، التي حسب تعبيرها "تعامل مواطنيها بشكل متساوي". بدلاً من ذلك، يرجع لوستيك سبب فشل الأقلية العربية في تنظيم نفسها الى "نظام تحكم عالي الكفاءة" و "معقد" Sophisticated System of Control تم العمل به ضد الاقلية العربية منذ عام 1948.

مكونات نظام التحكم:  
حسب لوستيك، يتكون نظام التحكم من ثلاثة عناصر أساسية:

1.     التقسيم: عزل الأقلية العربية عن الأكثرية اليهودية، و احداث شروخ داخلية خلال المجتمع العربي: (فرق تسد).
آليات التقسيم حسب لوستيك تتمثل في زيادة العزل الجغرافي للمجتمعات العربية من خلال استعمال المستوطنات اليهودية التي تعمل على فرط حالة التوائم الجغرافي والاجتماعي، وتتم هذه السياسة عبر التحديد المنظم لحجم ونمو الأحياء العربية في المدن.

كما عززت اسرائيل الانقسامات عبر بث الفتن والخصومات بين العائلات، وتعزيز الانقسامات الداخلية عند الدروز، والمسلمين، وعند الطوائف المسيحية المتعددة.

وقامت اسرائيل أيضاً بحظر مؤسسات تلبي احتياجات المجتمع الفلسطيني بشكل عام، حتى على مستوى مؤسسات الرياضة والكشافة، ولكن المؤسسات المماثلة التي تخدم "طوائف، بلدات، أو مناطق معينة" فقد تم السماح لها بالعمل.

2.     التبعية: الاعتماد الاجباري للسكان العرب على اليهود من أجل الحصول على الموارد الاقتصادية والسياسية.

أهم مظهر من مظاهر التبعية هو اجبار السكان الفلسطينيين على الاعتماد على اليهود من اجل الحصول على الوظائف، التصاريح، الأوضاع القانونية، والموارد الاقتصادية والسياسية الأخرى.

تم اجبار فلسطينيي الداخل على الاسهام بمساحات واسعة من اراضيهم من اجل تطوير الزراعة اليهودية والاستيطان اليهودي. بينما تم مصادرة نصف الاراضي الزراعية المملوكة لمن بقي من الفلسطينيين داخل اسرائيل وتشكل نسبة 29% من اجمالي الاراضي الزراعية في اسرائيل.

وبالتالي تم تحويل الاغلبية العظمى من الفلاحين المقتلعين من أراضيهم الى عمالة غير ماهرة أو عمالة قليلة الخبرة تعمل لدى شركات ومؤسسات يهودية.

أما الفلسطينيين المتعلمين، اذا ما ارادوا وظائف ذوي الياقات البيضاء، سواء في الحكومة، التعليم، أو قطاع الاعمال، فسينتهي بهم المطاف يعملون لدى "يهود".

3.     الاستيعاب و الاحتواء: استعمال الاغراءات المادية، الاجتماعية، والسياسية لاحتواء نخب المجتمع العربي وضمان تعاونها مع الدولة.

الاستيعاب يشتمل على ثلاث منهجيات؛ أولها محافظة اسرائيل على علاقات مع قيادات المجتمع التقليديين وتحويل هؤلاء الى قنوات للحصول على التصاريح، والمحسوبية وخدمات أخرى. أما المنهجية الثانية فتتثل بقيام اسرائيل بدعم النخب الرجعية ومعاقبة النخب التقدمية، كما جلبت بعض النخب الى احزاب سياسية صهيونية وقامت بمنحهم امتيازات مقابل جلبهم لاصوات عربية للاحزاب الصهيونية في اوقات الانتخابات. المنهجية الثالثة تتمثل في الاتيان بالشباب العربي الى بيروقراطية المنظمات الوطنية الاسرائيلية.

يعبر نظام التحكم بشكل مختصر عن النهج الذي تتبعه اسرائيل في التعامل مع فلسطينيي الداخل، ولكن اذا ما نظرنا الى هذا النظام بشكل أوسع، فسنجد أنه ينطبق على واقع الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس. ان اساس النظام الاسرائيلي والنابع من ثقافة الحركة الصهيونية هو اساس استعماري تسلطي لا يعترف بالفلسطينيين ولا بحقوقهم المشروعة.

لذلك لا بد من فهم سياسات اسرائيل وتحليلها بشكل علمي من أجل القدرة على مواجهتها والتصدي لها بشكل مبكر قبل أن يفوت الأوان، لأن فوات الأوان يعني اضاعة جهودنا في معالجة ما يترتب على هذه السياسات.






Comments

Popular posts from this blog

The Lost City of Gaza (Part 1)

جدعون ليفي

Improving Politics Education for Youth in Palestine: Brightening the Future Through its Makers